كتبت بثينة العيسى
ربما ينبغي علينا أن نتوقف قليلًا ونتأمّل فيما فعلناه.
بمنطلقات نبيلة مثل "دعم الشباب" و"تشجيع الكاتب الوطني" تمكنّا، في فترةٍ وجيزة، من دفع الاعتبارات الفنية والأدبية إلى المرتبة الأخيرة، إن وجدت هذه المرتبة على أيّ حال. إن دور النشر التي تسعى إلى "دعم الشباب" تتحوّل في كل يومٍ إلى مجرد مطابع، وتتراجع بسوق النشر سنواتٍ إلى الخلف، بتخلّيها عن أبجديات الصنعة؛ أقلها التحرير والتدقيق الأدبي، ووجود لجنة تتولى انتخاب النصوص والاشتغال عليها.
والزعم بأن تحوّل النشر إلى تجارة هو السبب وراء ذلك، يذهلني حقيقة. فقد قضيت السنوات الثلاث الماضية في بيع الكتب، ولم يسبق لي أن صادفت قارئًا يستفسر عن كتبٍ من هذا النوع. ولم أعد أصدق عدد الطبعات التي نجدها على تلك الأغلقة. المفارقة، أيضًا، أن الكتب التي نُشِرَت لذاتها، ولذات الأدب، وليس دعمًا للشباب ولا للكاتب الوطني (الكاتب الوطني؟ حقًا؟!) هي الكتب الأكثر رواجًا ومقروئية. على مدى ثلاثة أشهر، كان كتاب "قلق السعي إلى المكانة" لـ آلان دو بوتون هو الأكثر مبيعًا في المكتبة. سأضع "سيدات القمر" لجوخة الحارثي جانبًا بسبب الجائزة، لكن كيف يمكن أن تكون رواية مثل 4321 لـ بول أوستر هي الأكثر مبيعًا لشهر كامل، وعالم صوفي لـ جوستاين غاردر، و"حيونة الإنسان" لممدوح عدوان، و"زوربا اليوناني" لـ نيكوس كازنتزاكيس رغم مرور كل تلك السنوات على صدور الطبعة العربية؟
يقولون بأن جمهور المكتبة مختلف عن جمهور المعارض.
ربما، فالمعرض ظاهرة اجتماعية (واحتفالية) أكثر منها ظاهرة ثقافية.
ومع ذلك، ليس ثمة مبرر لأن يكون دعم الشباب على حساب الجودة. لأن الشباب الذين تُنشر أعمالهم - غير ناضجة، غير محررة، مليئة بالأخطاء، ضعيفة - هم الضحايا الحقيقيون لمنطق "دعم الشباب". سوف يتورطون بسلسلة إصدارات يخجلون من ذكر اسمها أمام أي أحد، بمجرد أن يقرأوا أكثر.
يصبح العمل مع بعض دور النشر بمثابة الوصمة التي ستلاحقك طوال مشوارك الأدبي. حتى لو تطوّرت، واشتغلت على أدواتك، وبدأ شغفك بالأدب يأخذ منحى آخر، سيصعب عليك أن تجد ناشرًا يأخذك بجدية، فقد انضممت، يا عزيزي، إلى جوقة الخفة والاستسهال التي تدعوك لنشر روايتك / خواطرك، بيعها في المعارض ودعوة أصدقائك وأبناء عمومتك لحفل توقيعك السعيد. وسيكون هذا أقصى ما تحوزهُ ككاتب.
لقد رأيت الكثير من الشباب الموهوبين، يدفنون في تلك المقابر المدعوة "دور النشر الشبابية". إن أحدًا لن يأخذهم على محمل الجد، والكل يعرفُ بأنهم وجدوا طريقهم إلى النشر مُمهدًا، مفروشًا بالسجاد الأحمر (بعد أن سددوا ثمن السجاد).
لذا، نصيحتي هي الآتي..
تعرّض للرفض. فليمتلئ جسدك بالرضوض من كل رسالة اعتذار ستتلقاها في حياتك.
تذكّر أن جورج أورويل، هيرمان ميلفل، جي كي رولينغ، دكتور سوس، جيمس جويسر، فوكنر، ستيفن كينغ، وأغاثا كريستي تعرضوا للرفض مليًا قبل أن يصبحوا من هم عليه.
احرق خمس أو ستّ مسودات على الأقل، استوحِش في الليالي، ابكِ، مزق الصفحات، اغضب، املأ مسامك بالخوفِ، اقرأ الروايات بحسدٍ وحب، لأن هذا كاتب آخر سبقك إلى فكرة مدهشة.
لا تأخذ منعطفًا سهلًا إلى كتابك الأول.
لا تختصر الطريق.
أنت لا تريد أن تتذكّر بداياتك خالية من الصعاب.
صدّقني..
تعليقات
إرسال تعليق