اشتاط بعض الناس غضباً بسبب زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومعه وفد من الحركة الى إيران من أجل المشاركة في جنازة الحاج قاسم سليماني والتعزية به، ووجد هؤلاء المتمترسون على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى الانترنت في هذه الزيارة مناسبة لكيل الشتائم والمبالغة في انتقاد التعزية وانتقاد كلمة اسماعيل هنية أمام المحتشدين في طهران.
القضية الفلسطينية بالغة التعقيد وفيها الكثير من التفاصيل والمكونات التي ليس من السهل على الكثيرين أن يستوعبوها، فضلاً عن أن القضية الفلسطينية لا يمكن التعاطي معها بواسطة القوالب الجاهزة كما يفعل أصحاب العلم المتواضع في السياسة؛ إذ من المستحيل إصدار الأحكام فيها على أساس طائفي أو مذهبي أو على أساس المواقف المعدة سلفًا.
تقديم التعزية باغتيال الحاج سليماني والخطاب الذي ألقاه زعيم الحركة اسماعيل هنية على مسمع الملايين في إيران ليس سوى نتيجة منطقية وطبيعية لتحالف بين الحركة وإيران أملته الضرورة، وهو تحالف ضروري ليس اختياري، وبالمناسبة فهذا التحالف سابق عن كل ثورات الربيع العربي ولا علاقة له بالمواقف مما يجري في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
ومع الاشارة الى ثورات الربيع العربي فمن المهم هنا الاشارة الى أن الموقف الايراني كان سلبياً تجاه الثورة في مصر ووصول الاخوان للحكم وكان مؤيداً للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، أي أن موقف إيران كان مناهضاً لحلفاء حماس الاستراتيجيين في مصر، ومع ذلك أبقت حماس على العلاقة مع إيران، وأيضاً لم نجد في الوقت ذاته أحداً من الاخوان المصريين ينتقد حركة حماس أو يهاجمها لموقفها من إيران.. فلا حماس غيرت موقفها من إيران مراعاة للإخوان ولا الاخوان هاجموا حماس، بل قبِلَ كلٌ منهم عُذر الآخر.. وهي الحالة التي لا نراها في مؤيدي الثورة السورية الذين يصنفون البشر بحسب مواقفهم من إيران، ويريدون من الكون كله أن يصطف على صعيد واحد في العداء لإيران.. وهذا منطق مستحيل.
في مسألة العلاقة بين حماس وإيران والتحالف بينهما وتعزيتهم باغتيال الحاج سليماني، يتوجب الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
أولاً: حماس حركة مقاومة وليست دولة مستقلة، وهي تبعاً لذلك تقيم علاقات التحالف والتصالح والصداقة وفقاً لمصالحها وبحسب ما يخدم قضيتها، وهنا لا علاقة لهذا بالدين أو الطائفة أو المذهب أو المعايير الأخلاقية، وهذا أمر معروف ومعلوم، وفي الحالة الفلسطينية ظلت كافة فصائل المقاومة تتلقى الدعم من الاتحاد السوفييتي حتى انهياره في العام 1990 ولم نسمع أحداً يقول لنا بأنهم "شيوعيون كفار" ولا أنهم ليسوا عرباً، فعلاقة التحالف معهم كانت تقوم على قاعدة التناقض مع المشروع الصهيوني الأمريكي وضرورة الاستفادة من الحرب الباردة.
ثانياً: ليس مطلوباً من حماس إعلان أية مواقف تتعلق بقضايا لا تتعلق بها، فهي حركة فلسطينية وحسب ولا علاقة لها بالصراعات الداخلية في دول المنطقة، وهذا ما فعلته في مصر، حيث تقيم علاقات علنية مع النظام وثمة لقاءات دورية مع جهاز المخابرات، وذلك على الرغم من وجود أكثر من 60 ألف معتقل من الاخوان في السجون المصرية.. فهل نطلب من حماس أن تقطع علاقتها مع مصر بحجة أن حلفاءها الاخوان في السجون؟!.. وبالمنطق ذاته، هل نطلب من حماس أن تقطع علاقتها مع إيران بحجة أن ايران متورطة بصراعات عربية أخرى؟!.. بطبيعة الحال ليس مطلوباً من حماس لا هذا ولا ذاك.
ثالثاً: في المنطقة العربية اليوم ثمة معسكران فقط لا ثالث لهما، أحدهما أمريكي اسرائيلي ومعه جملة من دول المنطقة، وآخر معسكر إيراني يضم جملة من الدول الحليفة التي تحظى أحيانا ببعض الدعم من روسيا، بينما يبدو العرب في وضع "المفعول به" إذ لا مشروع لهم في هذه المنطقة، وهم في حال لا تبعث على السرور والراحة مطلقاً، فما هو المكان الطبيعي لحركة مثل حماس؟!
رابعاً: الذين يريدون من حركة حماس مقاطعة إيران ومعاداتها عليهم أولاً الاتيان ببديل عربي، فهل من دولة عربية تقدم أي دعم لحركة حماس؟ لا بل هل من نظام عربي يسمح لشعبه بأن يقدم التبرعات لحماس أو للفلسطينيين؟!
خامساً: الحكم على الآخرين لا يمكن أن يستوي أو يستقيم بالاستناد الى موقف واحد أو مرحلة بعينها، فالحكم على إيران وحزب الله لا يستوي أن يكون من زاوية ما يجري في سوريا وحدها مثلاً، كما أن الأحكام المطلقة دوماً تميل الى الخطأ لا الصواب؛ فحزب الله اللبناني يمكن أن نتفق معه في الصراع مع اسرائيل ونعارض دوره في الحرب داخل سوريا، وكذا الحال بالنسبة لإيران وغيرها.
ولو كان يستقيم أن نصف حزب الله بأنه "ميليشيا" لأنه حارب في سوريا، فهذا يعني أن منظمة التحرير تحولت الى "ميليشيا" عندما حاربت في لبنان، وحماس تحولت الى "ميليشيا" عندما اقتتلت مع فتح في العام 2006، لكن واقع الحال وحقيقة الأمر أن هذه حركات مقاومة وهم كغيرهم من البشر يصيبون ويخطئون ويستطيع الناس أن يؤيدوهم أو يعارضوهم وأن ينتقدوهم أو يمتدحوهم.
والأمثلة على تحالفات الضرورة كثيرة، منها أن تنظيم "القاعدة" وهو سُني متطرف احتمى بإيران عند الهروب من أفغانستان بعد معارك "تورا بورا" في 2002، كما أن الاخوان المسلمين في سوريا كانوا حلفاء لنظام صدام حسين في العراق عندما كان الاخوان العراقيون مطاردين ومقموعين ولم يُنكر عليهم أحد فعل ذلك.. لا بل حتى يومنا هذا ثمة من يعيب على حماس التحالف مع إيران بينما يرتمي هو في الحضن الأمريكي، فهل حلال عليه التحالف مع واشنطن وحرام على غيره التحالف مع طهران والتعزية بفقيدها؟!
والخلاصة الأهم هنا، أن ثمة ضرورة لتحالف حماس مع إيران وهي ضرورة تمليها الظروف الاقليمية في المنطقة والتي تشمل الحصار المحكم والحملة التي تستهدف الحركة على أكثر من مستوى، وكذا إدراجها على قوائم الارهاب في عدد من الدول العربية، إذ ليس معقولاً أن نطلب من حماس أو أي حركة سياسية الانتحار في سبيل مواقف لا تغير من واقع الأحوال شيئاً في منطقة ملتهبة وغارقة بالدم والنار.
المصدر: عربي21
تعليقات
إرسال تعليق