القائمة الرئيسية

الصفحات





3 سنواتٍ على الرحيل.. رحيل الباسل



في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، كان المقاوم باسل الأعرج على موعدٍ مع الشهادة، عقب اشتباك خاضه وحيدًا مع قوات الاحتلال التي حاصرته في منزل تحصن به بمدينة البيرة.

رحل الشهيد باسل، بعد سنوات من النشاط المقاوم بالقلم بدايةً ثم بالسلاح، حيث اشتهر الشهيد بعباراته ومواقفه الثورية المؤيدة للمقاومة المسلحة والاشتباك مع الاحتلال.




ولادة الثائر

في السابع والعشرين تشرين الثاني عام 1984 ولد باسل محمود الأعرج، تنقل بين ضفتيّ النهر صوب الشقيقتين الأردن وفلسطين، حيث مكث أشهره الأولى في الجهة الشرقية بسبب عمل والده آنذاك، ثم عاد إلى أرض الوطن رضيعًا لم يبلغ شهره الثامن، تحديدًا إلى قرية الولجة في بيت لحم، ومن هنا بدأ عشقه للأرض التي مضى فيها مقاومًا، وعاد إلى باطنها شهيدًا مشتبكًا مقاومًا للاحتلال.

دراسته

تفوّق باسل في دراسته خلال المراحل المدرسية المختلفة، ودخل فرع العلمي وتخرّج منه بدرجةٍ عالية، ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة الصيدلة في جامعة " 6 اكتوبر".

أكمل سنوات دراسته وعاد إلى الوطن بحقيبة كانت تحوي الكتب فقط، كتبٌ كثيرة، غير تلك التي تركها في القاهرة آسفًا غير قادرٍ على حزمها معه، كان يقضي كلّ وقته هناك داخل سكنه بالقراءة والمطالعة وبالأخص المراجع التاريخية، مما جعله حاملًا في جعبته الكثير من الحكايات والقصص والأحداث والمعارك التي دارت على أراضينا الفلسطينية.


بعدَ عامين من عودته، انتقل باسل للسكن في مخيم شعفاط بعد حصوله على عملٍ في إحدى الصيدليات هناك، مكث قرابة العامين في شعفاط ثم انتقل الى رام الله للعمل في المتحف الفلسطيني كباحثٍ لتاريخ المقاومة الفلسطينية.

المثقف المقاوم

يقول عنه المقربون إنه اعتاد كتمان أسراره وأسرار غيره، بئرٌ عميق، اجتماعيُّ وكثير الكلام والعلاقات، لكنّه حذرٌ جدّاً باختيار الألفاظ والكلمات والمصطلحات ووضعها في المواقف المناسبة.

المقاومة كانت حاضرة دومًا في سيرة الشهيد، يذكر رفاق باسل أنه كان منتهجًا كل أشكال المقاومة، اللفظية والفعلية، مقاومة الحجارة، والشوارع، مقاومة الكلمة، وأخيرًا مقاومة الرشاش.


عام 2012، انتشرت صورة لمقاوم فلسطيني، أعزل إلّا من حجره، تحديدًا أمام سجن عوفر قضاء رام الله، تعود هذه الصورة إلى باسل، في مسيرة إسناد للأسرى المضربين عن الطعام، في ذلك العام كثرت أنشطة باسل الوطنية، إسنادًا للأسرى في المسيرات والمظاهرات والخيم والاعتصامات التي كانت تُقام في رام الله وغيرها من المدن

الاختفاء الأول

في الأول من نيسان عام 2016، اختفت آثار باسل واثنين من رفاقه، محمد حرب، وهيثم سيّاج، اختفاء ناشط وطني شبابي سياسي كان البعض يراه بأنه يشكّل تهديدًا على الأمن مع "اسرائيل".

بعد أسبوعين، كان الشبان لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بعد القبض عليهم في إحدى وديان قرية عارورة قرب رام الله، واعتقلوا بعدها ثلاثة آخرين من أصدقائهم، تم سحبهم والتحقيق معهم، ومن ثمّ زجّهم في سجن أريحا.

في حس باسل الفكاهيّ المعتاد، حتّى وهو في السجن، تُحدّث والدته عن لحظة دخوله إلى غرفة تحوي مسجونين جنائيين، سأل أحدهم "مين انتو؟" "شو قضيتكم؟"، فأجابه باسل "احنا بنتاجر في أعضاء البشر" وضحك، لم يصدّق أي من المساجين هذا الكلام، فمنظر باسل لا يوحي بشيء هكذا، ولا يوحي أساسًا أنه صاحب جريمة أو قضية جنائية.


تم نقلهم إلى سجن "بيتونيا" في شهر "أغسطس" عام 2016، وحينها طلب باسل من أهله أن لا يزوره منهم أحد، "ما كان بده ننذلّ، وهو عارف شو سجن بيتونيا واللي فيه" هكذا عللّ والدا باسل طلبه.

في الثامن والعشرين من آب عام 2016 أعلن باسل ورفاقه الخمسة إضرابهم عن الطعام رفضًا لاعتقالهم والتحقيق معهم دون أسباب مقنعة.

في الثامن من أيلول، تم الإفراج عن باسل ورفاقه الخمسة من سجن بيتونيا، وهنا بدأ الإختفاء الثاني لباسل، الاختفاء الذي عاد منه محمّلًا على أكتاف الأحبة.

بعد أيامٍ قليلة، اقتحمت قوات الاحتلال بيوت كلّ من هيثم سياج، محمد حرب، اعتقلتهم وبدأت البحث عن باسل، وحسب ما ذكر والده فإن قوات الاحتلال كانت تتردد بين يوم والآخر إلى بيتهم للبحث عن باسل، في حين أن تردد الجنود عليهم كان يريح قلوبهم، فكلما داهمت قوات الاحتلال البيت، تأكد أهل باسل أنه بخير ولم يتم اعتقاله بعد، لم يكن أهله وقتها يعلمون أي شي عن مكان تواجده أو حتى أي وسيلة من الممكن أن تكون حلقة وصل بينهم وبينه.


تمكّن من التخفي مدة ستة أشهر، واستطاع أن يتحرّك بأريحية، حتّى أنه تمكن من اقتناء السلاح داخل البيت الذي استأجره، لقد استأجر البيت على أساس أنه سائح، يريد استئجار البيت لبضعة أشهر.

شهيدًا

طارده الاحتلال طويلًا، وفي الثانية عشر بعد منتصف ليل السادس من آذار، دخلت قوات الاحتلال المدججة بالأسلحة إلى البيرة، حاصرت البيت الذي يتحصّن فيه باسل، تسللت إلى داخله وبدأ الاشتباك المسلّح، بين الباسل وجنود الاحتلال، دام الاشتباك قرابة الساعة أو أكثر قليلًا، حتى نفذت ذخيرته، اثنان وعشرون رصاصة في الصدر، وقذيفة ضُربت على البيت حتّى يتأكدوا أنه بات جثّة، اثنان وعشرون رصاصة تلقاها مقبلًا غير مدبر.

يقول والده أبو السعيد في وصف لحظة تلقّي الخبر "صحيت الفجر عشان أصلّي، صلّيت ونبهت أم السعيد، بعد الصلاة فتحت الفيس بوك أشوف شو في أخبار، طلع بوجهي خبر استشهاد شاب مجهول الهوية في رام الله بعد اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال".

أحسّ أن الخبر هذا يخصّه وعائلته، وأن المجهول هو باسل، يفكّر كيف من الممكن أن يخبر زوجته، وكيف من الممكن أن يخفف عنها، كيف يتقبّل الخبر.

"أم السعيد، في خبر بقول انه في شب استشهد مجهول الهوية"، أكدت له هي الخبر "هو ضل مجهول غير باسل؟ في حدا مطلوب غير باسل؟ والله هاد باسل".


في السابع عشر من آذار، تسلّم أهل باسل جثمانه رافضين شروط الاحتلال، وشيعه عشرات الآلاف في جنازة مهيبة، هتفوا باسم فلسطين، باسم الوحدة، باسم المعتقدات الوطنية لباسل، باسم باسل وأهله، باسم كل من مشي على نهجه، زُفَّ باسل إلى مثواه الأخير في باطن الأرض، وسط جموع غفيرة، وزغاريد وطنية، بعلم فلسطين تكفّن، وبأرض فلسطين دُفن.

كتابه

في الذكرى السنوية الأولى على استشهاده، أصدرت "دار رئبال" في القدس المحتلة الأعمال الكاملة للشهيد باسل الأعرج تحت عنوان "وجدت أجوبتي"، وهو يخلد كلماته، وبعض الكلمات المنشورة عنه.

وعنوان الكتاب مُستَلُّ من وصية الشهيد، ومرسوم بخط يده، يقع الكتاب في 400 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على كل ما كتبه الشهيد من أبحاث ومقالات وتدوينات، المنشورة منها وغير المنشورة، بالإضافة إلى سيرة شخصية للشهيد من ميلاده إلى استشهاده، ومختارات مما كُتب عن الشهيد وإليه، تتصدرها كلمة عائلة الشهيد في ذكراه السنوية الأولى.

وصيته

تمامًا كعباراته الشهيرة، كانت وصيته، كثيرة التداول، مختصرة وبليغة، حيث جاء فيها "تحية العروبة والوطن والتحرير، أما بعد فإن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أني قد مِتُّ، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء".

"لكم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها، لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة.. وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيا مقتنعا وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني! وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد. وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهورٍ طويلة، إلا أن ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء، فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم... أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله".


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات