القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة حلّاق في سجن "مجدو"
مجاهد مفلح 

"ان شاء الله يروّحوني بالليل ومحدا يشوفني، وأظل دوز دغري ع أوّل حلاق"، قلتها مازحًا، وسلمت رأسي مجبرًا لنديم الذي وجد نفسه حلّاقًا في قسم ٥ بسجن مجدو.
كيف صرت حلّاقًا يا نديم؟ يُجيبك كخبير واثق: "ولا أسهل منها.. كان في أسير حلّاق وانتقل ع سجن ثاني، وهيك بلّشت".

يقول نديم "محدّش بدو يصير حلّاق.. الشغلة متعبة"، ويضيع يومك من الصباح لآخر النهار وأنت تتنقّل من رأس لآخر. لكنّه وبرغم ذلك يقول إن الحلاقة للأسرى تعطيه "ميزة"؛ علاقاته جيّدة مع الجميع، ولا وقت لديه ليشعر بالملل، وأغلب نهاره في ساحة الفورة.
يستلم نديم ماكينة الحلاقة المتهالكة من إدارة القسم في السجن الإسرائيلي صباحًا، ومعها مقصّ يكاد لا يقوى على القيام بوظيفته، ويعيد هذه "العدّة" مساءً. معه مرآة من البلاستيك المقوى، تعدّ بمثابة "طوق نجاة" للحلاق، فالرؤية فيها مشوّشة ولا تساعد الزبون كثيرًا.
في القسم نحو ٦٠ أسيرًا، قصّات الشعر محدودة تقريبًا. الحلّاق وجد نفسه حلّاقًا "في ليلة فيهاش ضو قمر"، لكنّ ما قد يجعله "خبيرًا" في فترة قياسية أنّ "الأسرى لا شغلة ولا عملة" فترى بعضهم قد يحلق مرتين أو ثلاث في الأسبوع.
في قاعة الاستحمام للأسرى، اتخذّ "نديم" زاوية لصالونه؛ يحلق الرؤوس ويحظى بإطلالة من الشبّاك على ساحة الفورة، يراقب كل ما يحدث، ويعرف معلومات عن الجميع: من هذا، ما قضيته، متى سيخرج؟ من أي قرية؟ صديق من؟ ماذا يحب وماذا يكره، أي رياضة يفضّل؟ ثم يسرح بعيدًا وهو يتخيّل "صالون أبو الندم" الذي يخطط لافتتاحه في قريته تلفيت جنوب نابلس بعد أن يغادر السجن.
الخطأ وارد جدًا هُنا، والزبون متفهّم غالبًا، والمعادلة واضحة: "اللي بوهرفة بكمّله حلاقة ع الصفر بدون ما أشاوره". وإن كان المعتقل حديث عهد بالقسم، فالتبريرات جاهزة؛ خلي وجهك يفتّح، وخلايا الشعر تتنفس، و"هينا قاعدين لا فوتة ولا طلعة".

إذا جلست على كرسيّه البلاستيكي فلا بدّ أن تتحمّل كل شيء، قد يفتح شارعًا في رأسك ويتركك ليذهب في "كزدورة" بساحة الفورة، أو لاستكمال لعبة تنس مع خصمه اللدود. لا شيء تفعله، ابق في مكانك وانفض الشعر المتناثر على وجهك، راقب اللعبة وانتظر الفرج.
حجز الدور عنده يختلف عن صالونات الحلاقة خارج السجن، من يأتي إليه يقول له "بعد ما أخلص هالشب"، طبعًا هذه العبارة قد يقولها لخمسة زبائن يأتون إليه بفارق دقيقتين لكل منهم. لا شيء يخشاه؛ فلن يخسر سمعته، ولن يطير الزبون من عنده.
"أنا شغلي مش بس أحلق للشباب" يقول ذلك ويسكت، ويتملكُك الفضول لتسأله عن المهمّات الإضافية الخارقة التي يقوم بها "أنا بضحّك الشباب وبخليهم ينبسطوا ويتسلوا.. لما مرّات بتخرب حَلقِة واحد، الشباب بتتجمّع وبتصير تضحك، وخذلك أسبوع زمن حكي عن هالقَصّة".

حين يخرج للحرية، سأذهب إلى تلفيت وأحلق رأسي عند "صالون أبو الندم"، وسينفجر ضاحكًا حين يعرف أنه كان آخر من قصّ شعر رأسي منذ ٤٦ يومًا.


اقرأ أيضاً
وفاة طالب طب فلسطيني في القاهرة

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات