القائمة الرئيسية

الصفحات

عن أم جبر وشاح /أ. سامي ابو سالم


عن أم جبر وشاح 
أ. سامي ابو سالم

كنا نركب الحافلة فجرا من موقف "باصات أبو رمضان" في ميدان فلسطين وسط غزة، نتوجه إلى سجن نفحة الصحراوي لزيارة أخي محمد. لم تخلُ أي زيارة من أم جبر وشاح التي كانت تفرض وجودها على الحافلة فتكسر رتابة الطريق، تُنسينا برد النقب الصحراوي أو لهيب صيفها. في حضنها طفلتان تغنيان "نزلنا عالشوارع رفعنا الرايات، غنينا لبلادي أحلى الأغنيات ...". فور أن نصل السجن تحمل أم جبر "الثيرموس" (إناء حفظ المشروبات الساخنة)، تفترش الأرض، تسند ظهرها على دولاب الحافلة وتدعو من حولها لمشاركتها الشاي والطعام.
تجْمع النسوة حولها وتقص كل امرأة قصة ابنها الأسير، كيف اعتقل ولماذا ولأي تنظيم وكم أمضى ومتى سيطلق سراحه، وهل هومتزوج؟ لديه أطفال؟ ....
خارج السجن، غرفة بها جندي اسرائيلي يجيد العربية حفظنا اسمه "مخلوف"، شفّته السفلية مدلاة قليلا تكشف عن أسنان غير نظيفة، رقبته مدلاة للأمام، عيناه صغيرتان، أبيض البشرة لا يفارقه التوتر، تعمل بجانبه جندية تتعامل معه بقَرَف واستضراط... استلم الجندي بطاقتيّ الهوية، أنا وأخي عادل، وسجل اسمينا واسم من نرغب في زيارته. عندما انتهينا استهزأ عادل باسمه وقال: "مخلول" بدل "مخلوف"، وهرب مندسا بين الأهالي. غضب الجندي ووقف عن كرسيه وأطل برأسه من الفتحة "الفيبر غلاس" وقال "وينو وينو، ما في زيارة"، وكررها، مهددا أن عادل لن يزور.
تجمع عدد من أهالي الأسرى حول الغرفة، على رأسهم أم جبر وشاح، يستكشفون ما الخطب، فأي تنغيص من الممكن أن يؤدي إلى فقدان أحد الأهالي أو كلهم الزيارة، سمعت أم جبر الجندي وهو يصرخ"ما في زيارة روخ البيت".
فقالت: "بدهم يزوروا غصب عنك". دون أن تعرف ما السالفة ومن صاحب المشكلة.
حدثت جلبة صنعتها أم جبر "مش جايين في البرد من غزة وقاطعين كل هالمسافة علشان تقول ما في زيارة..." وهددت الجندي بأن تسبب له مشكلة كبيرة يصل صداها الصليب الأحمر واضراب وو... رَطنت الجندية معه بالعبرية، خنع "مخلوف"، ونجحنا في الزيارة.
كنا ندخل "أفواجا" لزيارة الأسرى، كل فوج لعشرين أسيرا تقريبا، بعد التفتيش ندخل من عدة بوابات تفصل بين أسوار من الشبك الحديدي، ثم إلى غرفة الزيارة نرى أخانا محمد وآخرين، كنت أرى أم جبر تزور لوحدها أسرى لكن كل مرة أسير مختلف، أتساءل، لماذا لا تزور أولادها دفعة واحدة؟ لماذا واحد منهم كل مرة، بعد ذلك تبين لي أنهم مما يُعرفون باسم "أسرى الدوريات" وهم غالبا مقاتلون فلسطينيون من لبنان تم اعتقالهم خلال تنفيذ/ أو محاولة تنفيذ عمليات على الحدود الشمالية بين فلسطين ولبنان.
كانت أم جبر قد تبنت عدد من الأسرى الذين لا أقارب لهم في الأرض المحتلة، ولا يُسمح لأهلهم بزيارتهم، فكانت بمثابة أم لهم، تزورهم وتزودهم بما يلزمهم من ملابس شتوية وصيفية وغير ذلك على مدار سنوات... بعد 15 عام على اعتقاله، أفرج الاحتلال عن ابنها جبر لكنها لم تتوقف عن زيارة الآخرين.
لم أحضر أي اعتصام تضامني مع الأسرى في مقر "الصليب الأحمر" بغزة إلا وتكون أم جبر على رأس المعتصمين أو المنظمين، لم أحضر أي فعالية نسوية أو غير نسوية خاصة بالأسرى إلا وتكون أم جبر في المقدمة. وفي الاضراب الأخير عن الطعام #مي_وملح الذي نُظم في غزة تضامنا مع إضراب الأسرى، أيضا كانت من أوائل من أضربوا عن الطعام... لم تحُز أم جبر على لقب "أم الأسرى" بتوصية من أمير مسجد، ولا من شخص يحفظ عن ظهر قلب فتاوى استباحة حرمات الناس بينما لا يتقن إسباغ الوضوء.
---------
أ. سامي ابو سالم
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. امنا الحبيبة تدافع عنا في وجه الاحتلال وظلم حماس الاجرامية / اللهم انتقم منهم وانصر الحق وانت الحق

    ردحذف

إرسال تعليق