القائمة الرئيسية

الصفحات

كورونا وتراجع الوعي/علي لفته سعيد

كورونا وتراجع الوعي
علي لفته سعيد/أديب عراقي

كتبنا كثيرا عن فايروس كورونا وتحوّله الى جائحة في هذه الكرة الارضية أو ما يطلق عليها المعمورة على أساس انها لمن يعمّرها وان يكون فيها فاعلا واعيا مثقفا مدركا لما حوله من واجبات وما له من حقوق وما له من سلوك وما عليه من قبل الآخر.. كتبنا عن الوعي الجمعي والفعل المؤثّر وردّة الفعل المعاكسة وكيف ان الكثيرين من اصحاب الرأي السياسي والآراء الفقهية النفعية التي تستغل كل شيء كما تستغل الكثير من النوائب الاجتماعية لصالح هذا الطرف أو ذاك.. ونتيجة لهذا الامر فان الفايروس تحوّل الى وباء وجائحة وأخذت تتغلل في المجتمع وتحصد أرواح العديد من الناس بعد ان ساهمت الكثير من الاقوال والتصريحات التي يطلقها هذا الطرف او ذاك وبعضهم من طرفين ما كان لهما التطرّق الى هذا الامر وهما شريحتا الاطباء غير الاختصاص والمثقفين الذين ينقلون الآراء بغير وعي وهم لا يختلفون عن أي ( جاهل ) حين يستلم معلومةً من هذه الجهة او تلك التي يتأثّر بها ويكون تابعا لها، لأنه غير ملمّ بما لديه وحوله وعنده وإليه، وهو أسير الفعل الجمعي للأقوال التي تنحدر انحدارًا كبيرا في اللاوعي، لتكون ردّة الفعل لديهم أكبر حتى من الفعل ذاته.
إن الجائحة التي استشرت في العراق ليس سببها عدم تطبيق اجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي ( وهي لفظة خاطئة لا تعبّر عن المعنى الحقيقي لها ) فحسب بل لان تعدّد الاقوال والتصريحات والاستغلالات العديدة أدّت الى وقوع الكثير من الناس وخاصة البسطاء منهم في عملية تمرير تلك الأقوال، ومنها ما ساهم به رجال الدين والسياسيين على حد سواء، فهما يشتركان بالكثير من التوابع التي حصلت مع تلك الجهتين التي بدأت اولى علامتها في زيارة الامام موسى الكاظم في ذكرى استشهاده لتتبعها الكثير من اقوال الفقهاء او الاصح الخطباء ومن كل المذاهب من ان السبب هو الابتعاد عن طريق الله والانغماس في الملذّات، وان الخوف يكمن في النفوس الضعيفة وان التوجّه الى هذه الجهة أو تلك والتوّسل بها تزيد من المناعة ومنها ايضا أقوال السياسيين في انها مسيطرة على الوباء وان كل شيء تحت السيطرة وان نسب الشفاء اعلى من نسب الوفيات فضلا عن الواقع الحكومي المتردي ليس في جوانبه المتعددة بل في واقعه الصحي. إضافة الى عدم الثقة بالإجراءات الحكومية التي تبحث في أغلب تصريحات المحافظين عن المال وما قاموا به من ايجارات لعدد من الفنادق التي كانت ردة الفعل انها عملية سرقة للأموال خاصة وان الجميع سمع ان الليلة الواحدة للمحجور تكلف 200 دولار وهو امر تسبب بضعف التصديق ايضا وتحول الامر الى ردة فعل جماعية .
ان كل هذه الافعال وغيرها ولدت العديد من ردات الفعل العنيفة في تراجع الوعي الصحي الذي يلبي حاجة الفرد نفسه من الوقاية حين تقول له حافظ على نفسك وعائلتك ولا علاقة لك بما يقوله الأخر الذي يحصّن نفسه ويشتري كل انواع المصدات التي تزيد من مناعته وعدم الوصول الفايروس الى رئتيه وانه يتحدث له عر سكايب والاجهزة الإلكترونية وليس مواجهة، في حين إنك تواجه المصاعب ولا احد ينفعك، فيجيبك بكل برود ان الله موجود.. وهو قول حق يراد به باطلا ان صح التعبير لأنه لا يمكن ان ترد عليه أو تثنيه عم فعل الخطأ وخين تقول ان الله اعطاء عقلا لتتصرف به يجيبك بما قاله احد الخطباء او المستفيدين من هذه الجائحة، إن من كان إيمانه قليلا فان الله لا يحميه.. ومثلها من معلومات مغرضة وجدت أساسا للطعن بالحكومة على اساس فعل المعارضة وهو التشكيك بكل شيء من ان الوباء كذب وانه من اجل الحصول على الملايين وان هناك من يؤكد هذه المقولة أن كل عائلة مريض تحصل على خمسة ملايين دينار وان كلّ متوفّ يحصل على ثمانية ملايين دينار وان الاطباء يقتلون المريض وان الدولة فرحة بموت الناس وان الصراع الطائفي واضح وغيرها من التعليقات التيس تسمعها كل يوم
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يقع المثقف الذي يفترض به ان يكون متحكما لعقله واقعا اساسا تحت سطوة هذه الاقوال وأسير نفعياتها ومقاصدها دون ان يتعب نفسه في تأويل القول واستخلاص الحقيقة؟.
إن الجواب الذي يمكن ان نحصل عليه منذ البدء ان مثل هؤلاء ليسوا مثقفين حتى لو كان ظاهرهم كذلك.. والاجابة هي ان العقل يميل دائما في موضوعة تفوقه تصوّرا هو اللجوء الى العرفانيات والروحانيات التي تعطي الحجة لكي يذهب في الاتجاه الاخر وبهذا فإن الفعل الجمعي أسقط على الفعل الفردي وتحوّل هو الاخر الى الفعل الجمعي، دون ان يدرك المثقف انه يساهم مساهمة فعالة في قتل المجتمع وقتل نفسه كونه يعيش في محيط واحد على هذه المعمورة التي لم يعمرها بفعله فقتلها بأقواله.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات