نحن جيل الحرب وخليل فرحات
ورد عبد الله
جيل الحرب في لبنان ، و أنا منهم ، يعرف تماما ما معنى حرب . وعيي الاول كان في الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ خاصة ان منطقتنا كانت تعج بالثكنات الفلسطينية المستهدفة ، و كنت وحيدا مع أمي في البيت عندما بدأ القصف الاول للطيران الحربي الاسرائيلي في يوم جمعة من شهر حزيران . أذكر أن أمي هرّبتني مع الجيران الى مكان آمن و بقيَت وحدها في البيت تحت القصف تنتظر سلاف و حازم خوفا من ان يكونا في طريق العودة الى البيت من المدرسة ، و عصام ، الذي سيحاول حتما القدوم تحت القصف من مجلة الحسناء حيث كان يعمل في ذلك الوقت ، لإخراجنا من المنطقة . لم تعرف أمي حينها ان سلاف و حازم توجها من المدرسة الى حيث ارسلتني ، الى منزل طبيب و صديق العائلة الدكتور محمد شهاب الدين رحمه الله . طبعا سلاف و حازم سبقاني في التعرف الى الحروب من ال ٧٥ الى ما بعدها .
كل هذه المقدمة الطويلة ، للاشارة الى معاناة الاهل ايام الحرب ، و التهجير ، أيام الخوف و الصبر و الايمان بأن الغد قد يكون أفضل .
عموما مهمة متابعة تعليمنا كانت منوطة بأم حازم أيام عدم الاستقرار الامني ... فعصام لم يكن يتدخل في أمورنا و أمور البيت مانحا الصلاحية المطلقة لزوجته في شؤون الادارة ، على سبيل الثقة او على الارجح بغية التهرب من اوجاع الرأس ، فهو شاعر و اعلامي و خدم عسكريته في الصمود أيام الحرب .
أذكر مرة أثناء تناولنا طعام الغداء مجموعين كعادتنا يوميا ، بين الحروب المتقطعة في الثمانينيات ، وقد كنت ربما في الثانية عشرة من عمري ، ان أمي توجهت لعصام بالحديث عن بعض المشاكل في المدرسة طالبة منه الذهاب للتحدث مع الادارة ، كان الأمر جديا حينها ، و يطال ثلاثتنا ، و ربما مستقبلنا ...
رفع عصام رأسه عن صحن الحساء وقتها ، و نظر الى نهاد بجدية مطلقة قائلا : " أنا إسمي خليل فرحات و مِتِت بالحرب " ثم أكمل تناول حساءه كأن شيئا لم يكن ...
الدهشة كانت كبيرة لدرجة اننا كدنا نقع عن كراسينا من شدة الضحك ، نحن الأولاد ... و لم يذهب عصام طبعا الى المدرسة و عالجت بعدها أمي الموضوع بطبيعة الحال .
لم يذهب عصام الى المدرسة ليس لانه لم يرد ذلك بداعي الكسل ، لم يذهب لان الحرب و مسؤولية حماية ثلاثة اطفال و زوجة اثناءها استنفذت قواه و تفكيره ، فقد كان ماردا ، خاصة أيام الشدة ، الا انني لمحته مرة يبكي وحيدا ، بعد أن نجينا من موت أكيد و بفضله طبعا.
حتى ولو قال ذلك ، فإنني لا زلت أعتقد ، أن خليل فرحات لم يمت هو الآخر في الحرب ... لقد كان ملاكنا الحارس ... و لا يزال .
ورد عبد الله
جيل الحرب في لبنان ، و أنا منهم ، يعرف تماما ما معنى حرب . وعيي الاول كان في الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ خاصة ان منطقتنا كانت تعج بالثكنات الفلسطينية المستهدفة ، و كنت وحيدا مع أمي في البيت عندما بدأ القصف الاول للطيران الحربي الاسرائيلي في يوم جمعة من شهر حزيران . أذكر أن أمي هرّبتني مع الجيران الى مكان آمن و بقيَت وحدها في البيت تحت القصف تنتظر سلاف و حازم خوفا من ان يكونا في طريق العودة الى البيت من المدرسة ، و عصام ، الذي سيحاول حتما القدوم تحت القصف من مجلة الحسناء حيث كان يعمل في ذلك الوقت ، لإخراجنا من المنطقة . لم تعرف أمي حينها ان سلاف و حازم توجها من المدرسة الى حيث ارسلتني ، الى منزل طبيب و صديق العائلة الدكتور محمد شهاب الدين رحمه الله . طبعا سلاف و حازم سبقاني في التعرف الى الحروب من ال ٧٥ الى ما بعدها .
كل هذه المقدمة الطويلة ، للاشارة الى معاناة الاهل ايام الحرب ، و التهجير ، أيام الخوف و الصبر و الايمان بأن الغد قد يكون أفضل .
عموما مهمة متابعة تعليمنا كانت منوطة بأم حازم أيام عدم الاستقرار الامني ... فعصام لم يكن يتدخل في أمورنا و أمور البيت مانحا الصلاحية المطلقة لزوجته في شؤون الادارة ، على سبيل الثقة او على الارجح بغية التهرب من اوجاع الرأس ، فهو شاعر و اعلامي و خدم عسكريته في الصمود أيام الحرب .
أذكر مرة أثناء تناولنا طعام الغداء مجموعين كعادتنا يوميا ، بين الحروب المتقطعة في الثمانينيات ، وقد كنت ربما في الثانية عشرة من عمري ، ان أمي توجهت لعصام بالحديث عن بعض المشاكل في المدرسة طالبة منه الذهاب للتحدث مع الادارة ، كان الأمر جديا حينها ، و يطال ثلاثتنا ، و ربما مستقبلنا ...
رفع عصام رأسه عن صحن الحساء وقتها ، و نظر الى نهاد بجدية مطلقة قائلا : " أنا إسمي خليل فرحات و مِتِت بالحرب " ثم أكمل تناول حساءه كأن شيئا لم يكن ...
الدهشة كانت كبيرة لدرجة اننا كدنا نقع عن كراسينا من شدة الضحك ، نحن الأولاد ... و لم يذهب عصام طبعا الى المدرسة و عالجت بعدها أمي الموضوع بطبيعة الحال .
لم يذهب عصام الى المدرسة ليس لانه لم يرد ذلك بداعي الكسل ، لم يذهب لان الحرب و مسؤولية حماية ثلاثة اطفال و زوجة اثناءها استنفذت قواه و تفكيره ، فقد كان ماردا ، خاصة أيام الشدة ، الا انني لمحته مرة يبكي وحيدا ، بعد أن نجينا من موت أكيد و بفضله طبعا.
حتى ولو قال ذلك ، فإنني لا زلت أعتقد ، أن خليل فرحات لم يمت هو الآخر في الحرب ... لقد كان ملاكنا الحارس ... و لا يزال .
تعليقات
إرسال تعليق